أثر دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية في الهند
أهل الدعوة والعزيمة لم تخلُ الدنيا منهم لأن العلماء هم أهل العزيمة والدعوة وورثة الأنبياء. وأن مهام الأنبياء مستمر إلى يوم القيامة وإن ختمت النبوة. فها هو علم من أعلام العزيمة والدعوة شيخ الإسلام إمام الأنام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية رحمه الله تعالى الذي أوقف حياته كلها لخدمة دين الإسلام وإعلاء كلمة الله فانتشرت دعوته بإذنه سبحانه في أقطار الأرض شرقا وغربا وإن كان عاش في بلاد الشام ومصر حتى نادى منادٍ في الصين بعد وفاته “الصلاة على ترجمان القرآن” ولم يتخلف أو يختلف الهند في التأثر بدعوته رحمه الله شيئا – وإن لم يدرس هذا الجانب المهم بحق العناية – فصدر عليه بعض العلماء من الهند في حياته وانبهر بل انهزم أمام قوة مناظرته وعلمه وكذلك ورد عديد من تلاميذ شيخ الإسلام – رحمه الله – إلى الهند ولقوا الملك القوي الشجاع الغيور لدين الله وعقيدته محمد تغلق أيام سلطنة دهلي وأثروه جدا بتعليم الإسلام الصافي حتى أمر بالمرسوم السامي التاريخي للقضاء على مظاهر الشركيات والخزعبلات الصوفية ثم حثوه على الاهتمام بأداء الصلوات الخمس وإحياء معالم الإسلام ورغّبوه في اختيار منهج شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقائد والعبادات وغيرها.
وأخص بذكر تلامذة شيخ الإسلام الذين أثروا الملك محمد تُغلق منهم : العلامة عبد العزيز الأردبيلي والشيخ عليم الدين الملتاني والعلامة شمس الدين الحريري. وبعد هذا العصر الجليل جاء دور الصوفية المقيت فمحوا آثار التوحيد كلياً أو جزئياً حسب إمكانهم ولكن الحق يعلو ولا يعلى عليه فقدر الله سبحانه للشاه أحمد بن عبد الرحيم المعروف بولي الله الدهلوي(1114ه – 1176ه) أن يسافر إلى الحجاز وأقام في مدينة الرسول ﷺ ودرس هناك على الشيخ أبي طاهر الكردي فاستفاد وتأثر بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية فنقل الأثر إلى الهند. ومن هنا جاء النشأة الثانية لتأثير معارف شيخ الأسلام ابن تيمية العلماء والمستفيدين منهم من اعترفه ومنهم من لم يعترفه… وأما الذي عرّف معارف ابن تيمية في أقطار الهند كلها فهو السيد صدّيق حسن خان الذي تزوج بملكة “بوفال” شاهجهان بيكم فتصدى لنشر أفكاره ومؤلفاته وطبع كتباً في الدفاع عنه وفي الوقت نفسه قد قامت حركة الشهيدين لردّ الإشراك وقمع البدع على معاونة الشاه إسماعيل الشهيد حفيد الشاه ولي الله الدهلوي الذي كان له دور كبير في إصلاح المجتمع والتجديد فظهر أثر علوم ومعارف ابن تيمية في أعماله وكتبه لا سيما في ” تقوية الإيمان” و”ردّ الإشراك” . ولا يخفي علينا أن هذه الحركة السلفية كانت تسير على أكتاف تلامذة المحدث السيد نذير حسين الدهلوي الذي أفنى عمره الطويل في خدمة الحديث وتدريسه وتخريج طلاب العالَم فيه فجمع بهذين الإمامين( صديق حسن ونذير حسين) بين العلم والمال لخدمة مآثر شيخ الإسلام، والحمد لله أولاً وآخراً. وكذلك تأثر بشيخ الإسلام عدة أسر دينية نبيلة قبل الأفراد والآحاد منها الأسرة الغزنوية وعلى رأسها الإمام عبد الله بن محمد الغزنوي، وله عناية بالغة بكتب شيخ الإسلام . إلى هنا وصل ذكر سريع للعلماء القدامى الذين كانوا قبل مئة سنة وأما العلماء الجدد والأدباء والمثقفون الذين وصل إليهم مآثر شيخ الإسلام بسهولة ويسر فهم تأثروا أكثر وأكثر وعددهم أكبر وأكبر ولكن بسبب قصر حجم المقال لا يسمح الحال انغماس بحر المستفيدين من شيخ الإسلام.
ولكن بقي علينا اسم و علم من أعلام الهند الذي جدّد سيرة شيخ الإسلام وبلغها إلى أوسع نطاق ممكن بأسلوبه الأدبي الرفيع ألا وهو إمام الهند وأول وزير التعليم مولانا أبو الكلام آزاد ، هذا العالم العبقري الفذّ أبلى بلاء حسناً في حرب استقلال الهند من الإنجليز وطردهم منها وسجن عدة مرات ، جاءه في إحدى المرات أحد مسترشديه في سجنه والتمسه أن يسطر أحواله الأسرية وخلفياته الأهلية فبدأ يذكر ويمجد تاريخ الأئمة وأهل العزيمة مثل الإمام أحمد بن حنبل وغيره حتى وصل إلى شيخ الإسلام ابن تيمية فركّز على سيرته وكتب أكثر من مائة صفحة يعجبه ويخلد ذكره . وبهذا الرجل الساسي المحنك القائد ترشح ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في الهند الجديدة على كل موافق ومخالف، والحمد لله على ذلك
كتبه: ( مستفيداً من مقدّمة الشيخ العلامة عبد الحميد الرحماني على كتاب “دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية وأثرها في الحركات الإسلامية المعاصرة وموقف الخصوم منها” للشيخ صلاح الدين مقبول أحمد )
فؤاد أسلم محمد أسلم : 15/ أكتوبر 2020م