أهمية الحياء في الإسلام
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنَّ ممَّا أدرك النَّاس مِن كلام النُّبوَّة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت»(رواه البخاري 6120). عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنَّ ممَّا أدرك النَّاس مِن كلام النُّبوَّة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت»(رواه البخاري 6120). قال الخطَّابي: “قال الشَّيخ: معنى قوله «النُّبوَّة الأولى» أنَّ الحَيَاء لم يزل أمره ثابتًا، واستعماله واجبًا منذ زمان النُّبوَّة الأولى، وأنه ما مِن نبيٍّ إلَّا وقد نَدَب إلى الحَيَاء وبُعِث عليه، وأنَّه لم ينسخ فيما نسخ مِن شرائعهم، ولم يُبَدَّل فيما بُدِّل منها”((معالم السنن للخطَّابي4/109)). قال ابن القيِّم: “خُلق الحَيَاء مِن أفضل الأخلاق وأجلِّها وأعظمها قدرًا وأكثرها نفعًا، بل هو خاصَّة الإنسانيَّة، فمَن لا حياء فيه، فليس معه مِن الإنسانيَّة إلَّا اللَّحم والدَّم وصورتهما الظَّاهرة، كما أنَّه ليس معه مِن الخير شيء” ((مفتاح دار السَّعادة 1/277 بتصرُّف يسير)).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال ﷺ: «الإيمان بضع وسبعون -أو بضع وستُّون- شعبة، أعلاها: قول: لا إله إلَّا الله. وأدناها: إماطة الأذى عن الطَّريق. والحياء شعبة مِن الإيمان»(رواه مسلم 35) قال الخطَّابي: “معنى قوله: «الحَيَاء شعبة مِن الإيمان» أنَّ الحَيَاء يقطع صاحبه عن المعاصي ويحجزه عنها، فصار بذلك مِن الإيمان” ((معالم السنن 4/312)). و”إنَّما أفرد صلَّى الله عليه وسلَّم هذه الخصلة مِن خصال الإيمان في هذا الحديث، وخصَّها بالذِّكر دون غيرها مِن باقي شعب الإيمان؛ لأنَّ الحَيَاء كالدَّاعي إلى باقي الشُّعب، فإنَّ صاحب الحَيَاء يخاف فضيحة الدُّنْيا والآخرة فيأتمر وينزجر، فلمَّا كان الحَيَاء كالسَّبب لفعل باقي الشُّعب؛ خُصَّ بالذِّكر ولم يذكر غيره معه وقال السعدي: “هذا الحديث مِن جملة النُّصوص الدَّالة على أنَّ الإيمان اسمٌ يشمل عقائد القلب وأعماله، وأعمال الجوارح، وأقوال اللِّسان، فكلُّ ما يقرِّب إلى الله، وما يحبُّه ويرضاه مِن واجبٍ ومستحبٍّ فإنَّه داخلٌ في الإيمان. وذكر هنا أعلاه وأدناه، وما بين ذلك وهو: الحَيَاء. ولعلَّ ذكر الحَيَاء؛ لأنَّه السَّبب الأقوى للقيام بجميع شعب الإيمان. فإنَّ مَن استحيا مِن الله لتواتر نعمه، وسوابغ كرمه، وتجلِّيه عليه بأسمائه الحسنى، -والعبد مع هذا كثير التَّقصير مع هذا الرَّبِّ الجليل الكبير، يظلم نفسه ويجني عليها- أوجب له هذا الحَيَاء التوقِّي مِن الجرائم، والقيام بالواجبات والمستحبَّات” ((بهجة قلوب الأبرار ص179)). – وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «الحَيَاء لا يأتي إلَّا بخير» (رواه البخاري6117، ومسلم37) قال ابن بطَّال: “معناه أنَّ مَن استحيا مِن النَّاس أن يروه يأتي الفجور ويرتكب المحارم، فذلك داعيةٌ له إلى أن يكون أشدَّ حياءً مِن ربِّه وخالقه، ومَن استحيا مِن ربِّه فإنَّ حياءه زاجرٌ له عن تضييع فرائضه وركوب معاصيه؛ لأنَّ كلَّ ذي فطرة صحيحة، يعلم أنَّ الله تعالى النَّافع له والضَّار والرَّزاق والمحيي والمميت، فإذا عَلِم ذلك فينبغي له أن يستحيي منه عزَّ وجلَّ” ((شرح صحيح البخاري 9/297)) قال ابن رجب: “… «الحياء لا يأتي إلَّا بخير»: فإنَّه يكفُّ عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق، ويحثُّ على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها، فهو مِن خصال الإيمان بهذا الاعتبار”((جامع العلوم والحكم 1/501)) . قال ابن حجر: “إذا صار الحَيَاء عادة، وتخَلَّق به صاحبه، يكون سببًا يجلب الخير إليه، فيكون منه الخير بالذَّات والسَّبب” ((فتح الباري10/522)). فالحَيَاء فضيلة مِن فضائل الفطرة، وهو مادَّة الخير والفضيلة، وبهذا وصفه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: «الحَيَاء خيرٌ كلُّه». – وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، مرَّ على رجل، وهو يعاتب أخاه في الحياء، يقول: إنَّك لتستحيى حتى كأنَّه يقول: قد أضرَّ بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه، فإنَّ الحياء مِن الإيمان (رواه البخاري 6118). قال ابن بطَّال: “معناه أنَّ الحَيَاء مِن أسباب الإيمان وأخلاق أهله؛ وذلك أنَّه لما كان الحَيَاء يمنع مِن الفواحش، ويحمل على الصَّبر والخير، كما يمنع الإيمان صاحبه مِن الفجور، ويقيِّده عن المعاصي، ويحمله على الطَّاعة، صار كالإيمان لمساواته له في ذلك، وإن كان الحَيَاء غريزة، والإيمان فعل المؤمن، فاشتبها مِن هذه الجهة”((شرح صحيح البخاري9/298))- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استحيوا مِن الله حقَّ الحياء». قال: قلنا: يا رسول الله إنَّا لنستحيي، والحمد للَّه. قال: «ليس ذاك، ولكنَّ الاستحياء مِن الله حقَّ الحياء: أن تحفظ الرَّأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى، وتتذكَّر الموت والبِلَى، ومَن أراد الآخرة، ترك زينة الدُّنيا، فمَن فعل ذلك، فقد استحيا مِن الله حقَّ الحياء»(رواه التِّرمذي 2458 مِن حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وقال: غريب. وحسَّن إسناده النَّووي في المجموع 5/105، وحسَّنه الألباني في صحيح التِّرمذي 2458) قال ابن رجب: “يدخل فيه حفظ السَّمع والبصر واللِّسان مِن المحرَّمات، وحفظ البطن وما حوى، يتضمَّن حفظ القلب عن الإصرار على ما حرَّم الله، ويتضمَّن أيضًا حفظ البطن مِن إدخال الحرام إليه مِن المآكل والمشارب، ومِن أعظم ما يجب حفظه مِن نواهي الله عزَّ وجلَّ اللِّسان والفرج” ((جامع العلوم والحكم ص 464)). وقال المباركفوريُّ في شرح الحديث: – قوله: «استحيوا مِن الله حقَّ الحَيَاء»: أي حياءً ثابتًا ولازمًا صادقًا، قاله المناويُّ، وقيل: أي: اتَّقوا الله حقَّ تقاته. – “قلنا يا نبيَّ الله إنَّا لنستحيي”: لم يقولوا: حقَّ الحَيَاء؛ اعترافًا بالعجز عنه. – “والحمد لله”: أي على توفيقنا به. – قال: «ليس ذاك»: أي ليس حقَّ الحَيَاء ما تحسبونه، بل أن يحفظ جميع جوارحه عمَّا لا يرضى. – «ولكن الاستحياء مِن الله حقَّ الحَيَاء: أن تحفظ الرَّأس»: أي عن استعماله في غير طاعة الله، بأن لا تسجد لغيره، ولا تصلِّي للرِّياء، ولا تخضع به لغير الله، ولا ترفعه تكــبُّرًا. – «وما وعى»: أي جمعه الرَّأس مِن اللِّسان والعين والأذن عمَّا لا يحلُّ استعماله. – «وتحفظ البطن»: أي عن أكل الحرام. – «وما حوى»: أي ما اتصل اجتماعه به مِن الفرج والرِّجلين واليدين والقلب، فإنَّ هذه الأعضاء متَّصلة بالجوف، وحفظها بأن لا تستعملها في المعاصي، بل في مرضاة الله تعالى. – «وتتذكَّر الموت والبِلَى» بكسر الباء، مِن بَلَى الشَّيء إذا صار خَلِقًا متفتِّتًا، يعني تتذكَّر صيرورتك في القبر عظامًا بالية. – «ومَن أراد الآخرة ترك زينة الدُّنْيا» فإنَّهما لا يجتمعان على وجه الكمال حتى للأقوياء، قاله القاري.” وقال المناويُّ: “لأنَّهما ضرَّتان، فمتى أرضيت إحداهما أغضبت الأخرى”((تحفة الأحوذي للمباركفوري 7/130-131)). – وعن يَعْلَى أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يغتسل بالبَــرَاز فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «إنَّ الله عزَّ وجلَّ حَلِيمٌ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ، يحبُّ الحَيَاء والسَّتْر، فإذا اغتسل أحدكم فليَسْتَتِر»(رواه أبو داود4012، والنسائي 406 وصحَّحه النَّوويُّ في الخلاصة 1/204، وقال الشَّوكاني في نيل الأوطار1/317: رجال إسناده رجال الصَّحيح). عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما كان الفُحْش في شيء إلَّا شانه، وما كان الحَيَاء في شيء إلَّا زَانَهُ»(رواه التِّرمذي 1974 وابن ماجه4185، وأحمد 12712 قال التِّرمذي: حسنٌ غريب. وقال ابن حجر في تخريج المشكاة 4/386: رجاله رجال الصَّحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2635 ).
” الستر“قال الله تعالى: “يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ” [الأعراف: 26] .أمر الله – عز وجل – بني آدم بتغطية العورات، وستر الأجسام؛ لأنه يحب الستر، ويبغض التعري، وكذلك أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالستر والاعتناء بحفظ العورة، ونهى عن التعري؛ فقال :إياكم والتعري.
نسأل الله أن يحفظ عوراتنا
۩ جمع وترتيب:
العبد الفقير فؤاد أسلم المدني
9/ جمادى الثاني 1440 هجريا
15/ فبراير 2019 ميلاديا